فلسطين أون لاين

تقرير تدخل مفرط في اختياراتهم.. كيف تؤثر التربية الهليكوبتر في حياة الأطفال؟

...
التربية الهليكوبتر
غزة/ هدى الدلو:

ثمة مجموعة متنوعة من أساليب التربية وأنماط الأبوة والأمومة، منها نمط التربية المستبد، أو المتساهل، أو حتى غير المكترث على الإطلاق، ولكن هل سمعتم مسبقًا عن "التربية الهليكوبتر"، فكيف يبدو هذا الأسلوب وما هي خصائصه وكيف يؤثر على شخصية الطفل وما مخاطره؟

استُخدم مصطلح "التربية الهليكوبتر" لأول مرة في كتاب الدكتور حاييم جينوت عام 1969، الذي بين فيه كيف يتدخل الوالدان بشكل كبير في حياة أطفالهم، بحيث يؤثر تركيزهم الشديد سلبيًا على الصحة العقلية للطفل، وصورته الذاتية لنفسه، ومهاراته على التأقلم، وغير ذلك الكثير. 

وهذا الأسلوب هو عكس الأبوة والأمومة الحرة، التي يشجع فيها الاستقلال والتفكير الذاتي للطفل، وفيها يواجه الأبوان أي مشكلة قد يواجهها الطفل حتى لا يشعر الأبناء أبدًا بالأذى أو الألم أو خيبة الأمل.

كيف تبدو تربية الهليكوبتر؟

والتربية الهليكوبتر تأتي بأشكال عديدة، ويعتقد بعض الناس أنها تؤثر فقط على المراهقين وطلاب الجامعات، ولكن يمكن أن يبدأ هذا النمط التربوي المؤذي في سن مبكرة، ويستمر حتى مرحلة البلوغ.

ففي مرحلة الطفولة المبكرة، يحاول الأبوين في هذا النمط التربوي منع كل سقوط طفيف أو تجنب المخاطر المناسبة لعمره، وعدم السماح للطفل باللعب بمفرده خوفًا عليه، والتواصل باستمرار مع معلم المدرسة أو الحضانة لمعرفة تحركاته، وعدم تشجيع الطفل على الاستقلال المناسب تنمويًا لمرحلته العمرية، وفق الاختصاصي النفسي د. فاخر الخليلي.

أما التربية الهليكوبتر في فترة الدراسة الابتدائية، فيشير الخليلي إلى تدخل الآباء في اختيار أصدقاء الطفل له، عوضًا عن منحه حرية الاختيار، تسجيل الأبناء في الأنشطة والفعاليات دون استشارتهم، وإكمال الواجبات المدرسية والمشاريع المدرسية للطفل لضمان تفوقه، ورفض السماح للطفل بحل المشاكل بنفسه ومواجهة تحديات عمره.

وفي مرحلة المراهقة وما بعدها، يتجسد أسلوب "الوالدين الهليكوبتر" في عدم السماح للأبناء بالقيام باختيارات تتناسب مع أعمارهم خوفًا عليهم، إضافة إلى الانخراط المفرط في أعمالهم الأكاديمية والأنشطة اللامنهجية لحمايتهم من الفشل أو الإحباط أو خيبات الأمل الحياتية البسيطة.

نمط تربوي سلبي

وبحسب منصة "ويب ميد"، يعزو اختصاصي التربية لجوء الأبوين إلى "التربية الهليكوبتر" لرغبتهما في منح الأطفال طفولة سعيدة على عكس ما عاشه الوالدان، ولمواكبة المعايير الاجتماعية للنجاح إذ يشعر بعض الآباء بالضغط الاجتماعي أمام رغبتهم بأن يصبح أطفالهم أفضل ممن حولهم.

ويقول الموقع: "الإفراط في تلك الرغبة يحوله إلى ضغوط نفسية، إذ يضع الآباء الكثير من التوقعات التعجيزية على أطفالهم، وبالتالي يتدخلون في حياتهم لضمان هذا النجاح. ما يسبب بدوره التوتر المتبادل وربما الاستياء وعدم الرضا لدى أطفالهم".

وتلفت المنصة إلى أن الرغبة في الإحساس بالقيمة الذاتية، وبأن الأطفال يحتاجون للمساعدة يمكن أن تؤدي إلى منع الأبوين أبناءهم من التقدم نحو الاستقلال. كما أن شعور بعض الآباء بقلق إضافي بشأن تعرض أطفالهم للأذى عاطفياً وجسدياً، يجعلهم يميلون إلى مراقبة أطفالهم من كثب. معتقدين أن عدم التعرض للفشل أو خيبة الأمل أبدًا أفضل من المرور بهذه التجارب الحياتية والشعور بالإحباط والألم.

وتضيف "ويب ميد" أن مخاوف الآباء بشأن مستقبل الأبناء يجعلهم يعتقدون أن ما يفعله أطفالهم اليوم له تأثير كبير على مستقبلهم، وبالتالي يستخدمون التربية الهليكوبتر كوسيلة لمنع المعاناة في وقت لاحق من حياتهم.

مخاطر نفسية طويلة

في حين أن الأبوة والأمومة الهليكوبتر ليست دائمًا أمرًا سيئًا، يلفت الخليلي إلى أنها تأتي بنتائج عكسية، وتسبب انخفاض ثقة الطفل بنفسه أو تدني احترام الذات. وهذا لأنه عندما يكبر الطفل قد يشك في قدراته؛ لأنه لم يضطر من قبل إلى اكتشاف أي شيء بمفرده. 

ويقول: "قد يشعر الطفل أن والديه لا يثقون به لاتخاذ قراراته بنفسه، وحتى يبدأ في التساؤل عما إذا كان مؤهلًا أصلًا لإدارة حياته الخاصة. كما يمكن أن تؤدي مشاعر تدني الثقة بالنفس إلى مشاكل أخرى، مثل القلق والاكتئاب المزمن".

وهناك أيضًا خطر أن يطور الطفل مشكلات الاستحقاق، إذ يعتقد أنه يستحق امتيازات معينة، وعادةً ما يكون ذلك نتيجة الحصول الدائم على ما يريد. فيكبر الأبناء معتقدين أن العالم سيمنحهم كل شيء بسهولة، ما قد يؤدي إلى الصدمات النفسية وخيبات الأمل والفشل.

ويشدد الخليلي على أن السماح للطفل بارتكاب الأخطاء، والمعاناة من العواقب الطبيعية، والشعور بالألم، وحل مشكلاته لوحده، تعد جوانب مهمة في عملية النمو والتعلم التي يحتاجها طفلك لتكوين شخصية سليمة ومستقلة.